فصل: فصل في سنن الذبح وآدابه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 فصل وج واد بصحراء الطائف وصيده حرام

على المذهب وقيل في تحريمه وكراهته خلاف فعلى التحريم قيل حكمه في الضمان كحرم المدينة والصحيح الذي قطع به صاحب التلخيص والأكثرون أنه لا ضم فيه قطعا‏.‏

 فصل النقيع

بالنون وقيل بالباء ليس بحرم ولكن حماه رسول الله صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة ونعم الجزية فلا يحرم صيده لكن لا تملك أشجاره ولا حشيشه وفي وجوب ضمانهما على متلفهما وجهان أحدهما لا كصيده وأصحهما يجب لأنه ممنوع بخلاف الصيد فعلى هذا ضمانهما بالقيمة ومصرفهما مصرف نعم الجزية والصدقة‏.‏

قلت‏:‏ ينبغي أن يكون مصرفه بيت المال والله أعلم‏.‏

 فصل المحظورات

تنقسم إلى استهلاك كالحلق وإلى استمتاع كالطيب وإذا باشر محظورين فله أحوال أحدها أن يكون أحدهما استهلاكا والآخر استمتاعا فينظر إن لم يستند إلى سبب واحد كحلق الرأس ولبس القميص تعددت الفدية كالحدود المختلفة وإن استند إلى سبب كمن أصابت رأسه شجة واحتاج إلى حلق جوانبها وسترها بضماد فيه طيب تعددت أيضا على الأصح‏.‏

والثاني تتداخل الحال الثاني أن يكونا استهلاكا وهذا ثلاثة أضرب أحدها أن يكون مما يقابل بمثله وهو الصيود فتعدد الفدية سواء فدى عن الأول أم لا اتحد المكان أو اختلف وإلى بينهما أو فرق كضمان المتلفات‏.‏

الضرب الثاني أن يكون أحدهما مما يقابل بمثله والآخر ليس مقابلا كالصيد والحلق فحكمه حكم الضرب الأول بلا خلاف‏.‏

الضرب الثالث أن لا يقابل واحد منهما فينظر إن اختلف نوعهما كالحلق والقلم تعددت سواء فرق أو والى في مكان أو مكانين بفعلين أم بفعل كمن لبس ثوبا مطيبا فإنه يلزمه فديتان وفي هذه الصورة وجه ضعيف أنه فدية واحدة قلت‏:‏ الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أن من لبس ثوبا مطيبا وطلى رأسه بطيب ستره بكفيه فعليه فدية واحدة لاتحاد الفعل وتبعية الطيب والله أعلم‏.‏

وإن اتحد النوع بأن حلق فقط فقد سبق أن حلق ثلاث شعرات فيه فدية كاملة ولو حلق جميع الرأس دفعة في مكان واحد ففديه فقط ولو حلق شعر رأسه وبدنه متواصلا ففدية على الصحيح وقال الأنماطي فديتان ولو حلق رأسه في مكانين أو مكان في زمانين متفرقين فالمذهب التعدد وقيل هو كما لو اتحد نوع الاستمتاع واختلف المكان أو الزمان وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى ولو حلق ثلاث شعرات في ثلاثة أمكنة أو ثلاثة أزمنة متفرقة فإن قلنا كل شعرة تقابل بثلث دم فلا فرق بين حلقها دفعة أو دفعات وإن قلنا الشعرة بمد أو درهم والشعرتان بمدين أو درهمين بني على الخلاف الذي ذكرناه الآن فإن لم نعدد الفدية فيما إذا حلق افرأس في دفعات ولم نجعل لتفرق الزمان أثرا فالواجب دم وإن عددنا وجعلنا التفريق مؤثرا قطعنا حكم كل شعرة عن الأخريين وأوجبنا ثلاثة أمداد في قول وثلاثة دراهم في قول الحال الثالث أن يكون استمتاعا‏.‏

فإن اتحد النوع بأن تطيب بأنواع من الطيب أو ليس أنواعا كالعمامة والقميص والسراويل والخف أو نوعا واحدا مرة بعد أخرى نظر إن فعل ذلك في مكان على التوالي لم تتعدد الفدية ولا يقدح في التوالي طول الزمان في مضاعفة القمص وتكوير العمامة وإن فعل ذلك في مكانين أو مكان وتخلل زمان نظر إن لم يتخلل التكفير فقولان الجديد يجب للثاني فدية أخرى والقديم يتداخل فإن قلنا بالجديد فجمعهما سبب واحد بأن تطيب أو لبس مرارا لمرض واحد فوجهان أصحهما التعدد وإن تحلل وجبت فدية أخرى بلا خلاف فإن كان نوى بما أخرجه الماضي والمستقبل جميعا بني على جواز تقديم الكفارة على الحنث المحظور إن قلنا لا يجوز فلا أثر لهذه النية وإن جوزناه فوجهان أحدهما أن الفدية كالكفارة في جواز التقديم فلا يلزمه للثاني شيء والثاني المنع أما إذا اختلف النوع بأن لبس وتطيب فالأصح التعدد وإن اتحد الزمان والمكان والسبب والثاني التداخل والثالث إن اتحد السبب تداخل وإلا فلا هذا كله في غير الجماع فإن تكرر الجماع فقد سبق حكمه‏.‏

قلت‏:‏ لا يتعدد الجزاء بتعدد جهة التحريم إذا اتحد الفعل كما سبق في محرم قتل صيدا حرميا وأكله لزمه جزاء واحد ولو باشر امرأته مباشرة توجب شاة لو انفردت ثم جامعها ففي وجه يكفيه البدنة عنهما ووجه تجب شاة وبدنة ووجه إن قصد بالمباشرة الشروع في الجماع فبدنة وإلا فشاة وبدنة ووجه إن طال الفصل فشاة وبدنة وإلا فبدنة والأول أصح والله أعلم‏.‏

 باب موانع إتمام الحج بعد الشروع فيه

هي ستة نواع الأول الإحصار فإذا أحصر العدو المحرمين عن المضي في الحج من جميع الطرق كان لهم أن يتحللوا فإن كان الوقت واسعا فالأفضل أن لا يعجل التحلل فربما زال المنع فأتم الحج وإن كان الوقت ضيقا فالأفضل تعجيل التحلل لئلا يفوت الحج ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل عند الإحصار ولو منعوا ولم يتمكنوا من المضي إلا ببذل مال فلهم التحلل ولا يبذلون المال وإن قل بل يكره البذل إن كان الطالبون كفارا لما فيه من الصغار وإن احتاجوا إلى قتال ليسيروا نظر إن كان المانعون مسلمين فلهم التحلل ولا يلزمهم القتال وإن قدروا عليه وإن كانوا كفارا فقيل يلزمهم قتالهم إن لم يزد عدد الكفار على الضعف وقال إمام الحرمين هذا الإطلاق ليس بمرضي بل شرطه وجدانهم السلاح وأهبة القتال فإن وجدوا فلا سبيل إلى التحلل والصحيح الذي قاله الأكثرون أنه لا يجب القتال وإن كان في مقابلة كل مسلم أكثر من كافرين لكن إن كان بالمسلمين قوة فالأولى أن يقاتلوهم نصرة للإسلام وإتماما للحج‏.‏

وإن كان بالمسلمين ضعف فالأولى أن يتحللوا وعلى كل حال لو قاتلوا فلهم لبس الدروع والمغافر وعليهم الفدية كمن لبس لحر أو برد‏.‏

فرع ما ذكرناه من جواز التحلل بلا خلاف هو فيما إذا منعوا دون الرجوع فأما لو أحاط بهم العدو من الجوانب كلها فوجهان وقيل قولان أصحهما جواز التحلل أيضا والثاني لا إذ لا يحصل به أمن‏.‏

فصل ليس للمحرم التحلل بعذر المرض بل يصبر حتى يبرأ فإن كان محرما بعمرة أتمها وإن كان بحج وفاته تحلل بعمل عمرة لأنه لا يستفيد بالتحلل زوال المرض بخلاف المحصر هذا إذا لم يشرط التحلل بالمرض فإن شرط أنه إذا مرض تحلل فطريقان قال الجمهور يصح الشرط في القديم وفي الجديد قولان أظهرهما الصحة والثاني المنع‏.‏

والطريق الثاني قاله الشيخ أبو حامد وغيره القطع بالصحة لصحة الحديث فيه ولو شرط التحليل لغرض اخر كضلال الطريق وفراغ النفقة والخطأ في العدد فهو كالمرض على المذهب وقييل لا يصح قطعا وحيث صححنا الشرط فتحلل فإن كان اشترط التحلل بالهدي لزمه الهدي وإن كان شرط التحلل بلا هدي لم يلزمه الهدي وإن أطلق لم يلزمه على الأصح ولو شرط أن يقلب حجه عمرة عند المرض فهو أولى بالصحة من شرط التحلل ونص عليه المنصوص الأول‏.‏

 فصل يلزم من تحلل بالإحصار دم شاة

إن لم يكن سبق منه شرط فإن كان شرط عند إحرامه أنه يتحلل إذا أحصر ففي تأثير هذا الشرط في إسقاط الدم طريقان أحدهما على وجهين كما سبق فيمن تحلل بشرط المرض وأصحهما القطع بأنه لا يؤثر لأن التحلل بالإحصار جائز بلا شرط فشرطه لاغ‏.‏

فرع اختلف القول في أن دم الإحصار هل له بدل وما بدله أم التخيير وسيأتي إيضاح هذا كله في الباب الآتي إن شاء الله تعالى فإن قلنا لا بدل وكان واجدا لدم ذبحه ونوى التحلل عنده وإنما اشترطت النية لأن الذبح قد كون للتحلل ولغيره فيشترط قصد صارف وإن لم يجد الهدي لإعساره أو غير ذلك فهل يتحلل في الحال أم يتوقف التحلل على وجوده قولان أظهرهما التحلل في الحال ولا بد من نية التحلل وهل يجب الحلق إن قلنا هو نسك فنعم وإلا فلا والحاصل أنا إن اعتبرنا الذبح والحلق مع النية فالتحلل بالثلاثة وإن لم نعتبر الذبح حصل بالنية مع وإن قلنا لدم الإحصار بدل فإن كان يطعم توقف التحلل عليه كتوقفه على الذبح وإن كان يصوم فكذلك مع ترتب الخلاف ومنع التوقف هنا أولى للمشقة في الصبر على الإحرام لطول مدة الصوم‏.‏

فرع لا يشترط بعث دم الإحصار إلى الحرم بل يذبحه حيث أحصر وكذا ما لزمه من دماء المحظورات قبل الإحصار وما معه من هدي ويفرق لحومها على مساكين ذلك الموضع هذا إن صد عن الحرم فإن صد عن البيت دون أطراف الحرم فهل له الذبح في الحل وجهان أصحهما الجواز‏.‏

المانع الثاني الحصر الخاص الذي يتفق لواحد أو شرذمة من الرفقة فينظر إن لم يكن المحرم معذورا فيه كمن حبس في دين يتمكن من أدائه فليس له التحلل بل عليه أن يؤدي ويمضي في حجه فإن فاته الحج في الحبس لزمه أن يسير إلى مكة ويتحلل بعمل عمرة وإن كان معذورا كمن حبسه السلطان ظلما أو بدين لا يتمكن من أدائه جاز له التحلل على المذهب وبه قطع العراقيون وقال المراوزة في جواز التحلل قولان أظهرهما الجواز المانع الثالث الرق فإحرام العبد ينعقد بإذن سيده وبغير إذنه فإن أحرم بإذنه لم يكن له تحليله سواء بقي نسكه صحيحا أو أفسده ولو باعه والحالة هذه لم يكن للمشتري تحليله وله الخيار إن جهل إحرامه فإن أحرم بغير إذنه فالأولى أن يأذن له في إتمام نسكه فإن حلله جاز على المذهب وبه قطع الجمهور‏.‏

وحكى ابن كج وجها أنه ليس له تحليله لأنه يلزمه بالشروع تخريجا من أحد القولين في الزوجة إذا أحرمت بحج التطوع وهذا شاذ منكر‏.‏

قلت‏:‏ قال الجرجاني في المعاياة ولو باعه والحالة هذه فللمشتري تحليله كالبائع ولا خيار له والله أعلم‏.‏

ولو أذن له في الإحرام فله الرجوع قبل الإحرام فإن رجع ولم يعلم العبد فأحرم فله تحليله على الأصح ولو أذن له في العمرة فأحرم بالحج فله تحليله ولو كان بالعكس لم يكن له تحليله قاله في التهذيب وظني أنه لا يسلم عن الخلاف‏.‏

قلت‏:‏ ذكر الدارمي في الصورتين وجهين لكن الأصح قول صاحب التهذيب والله أعلم‏.‏

ولو أذن له في التمتع فله منعه من الحج بعد تحلله من العمرة وليس له تحليله عن العمرة ولا عن الحج بعد الشروع ولو أذن في الحج أو التمتع فقرن لم يجز تحليله ولو أذن أن يحرم في ذي القعدة فأحرم في شوال فله تحليله قبل دخول ذي القعدة وبعد دخوله فلا وإذا أفسد العبد حجه بالجماع فإن قلنا يجزىء لم يلزم السيد أن يأذن له فيه إن كان إحرامه الأول من غير إذنه وكذا إن كان بإذنه على الأصح وكل دم لزمه بفعل محظور كاللباس والصيد أو بالفوات لم يلزمه السيد بحال سواء أحرم بإذنه أم بغير إذنه ثم العبد لا ملك له حتى يتحلل بذبح فإن ملكه السيد فعلى القديم يملك فيلزم إخراجه وعلى الجديد لا يملك ففرضه الصوم وللسيد منعه منه في حال الرق إن كان أحرم بغير إذنه وكذا بإذنه على الأصح لأنه لم يأذن في موجبه ولو قرن أو تمتع بغير إذن سيده فحكم دم القران والتمتع حكم دماء المحظورات وإن قرن أو تمتع بإذنه فهل يجب الدم على السيد الجديد أنه لا يجب وفي القديم قولان بخلاف ما لو أذن له في النكاح فإن السيد يكون ضامنا للمهر على القديم قولا واحدا لأنه لا بدل للمهر وللدم بدل وهو الصوم والعبد من أهله وعلى هذا لو أحرم بإذن السيد فأحصر وتحلل فإن قلنا لا بدل لدم الإحصار صار السيد ضامنا على القديم قولا واحدا وإن قلنا له بدل ففي صيرورته ضامنا له في القديم قولان وإذا لم نوجب الدم على السيد فالواجب على العبد الصوم وليس لسيده منعه منه على الأصح لإذنه في سببه ولو ملك السيد هديا وقلنا يملكه أراقه وإلا لم تجز إراقته ولو أراقه السيد عنه فهو على هذين القولين ولو أراق عنه بعد موته جاز قولا واحدا لأنه حصل اليأس من تكفيره والتمليك بعد الموت ليس بشرط ولهذا لو تصدق عن ميت جاز ولو عتق العبد قبل صومه ووجد هديا فعليه الهدي إن اعتبرنا في الكفارة حال الأداء أو الأغلظ وإن اعتبرنا حال الوجوب فله الصوم وهل له الهدي قولان‏.‏

فرع حيث جوزنا للسيد تحليله أردنا أنه يأمره بالتحلل لا أنه يستقل بما يحصل به التحلل إذ غايته أن يستخدمه ويمنعه المضي ويأمره بفعل المحظورات أو يفعلها به ولا يرتفع الإحرام بشىء من هذا وإذا جاز للعبد تحليله جاز للعبد التحلل ثم إن ملكه السيد هديا وقلنا يملك ذبح ونوى التحلل أو حلق ونوى التحلل وإلا فطريقان أحدهما أنه كالحر فيتوقف تحلله على وجود الهدي إن قلنا لا بدل لدم الإحصار أو على الصوم إن قلنا له بدل كل هذا على أحد القولين وعلى أظهرهما لا يتوقف بل يكفيه نية التحلل والحلق إن قلنا نسك والطريق الثاني القطع بهذا القول الثاني وهذا الطريق هو الأصح عند الأصحاب لعظم المشقة في انتظار العتق ولأن منافعه لسيده وقد يستعمله في محظورات الإحرام‏.‏

فرع أم الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة ومن بعضه حر كالقن ولو أحرم المكاتب بغير إذن المولى فقيل في جواز تحليله قولان كمنعه من سفر التجارة وقيل له تحليله قطعا لأن للسيد منفعة في سفر التجارة‏.‏

فرع ينعقد نذر الحج من العبد وإن لم يأذن له السيد على في ذمته فلو أتى به في حال الرق هل يجزئه وجهان‏.‏

قلت‏:‏ الأصح يجزئه والله أعلم‏.‏

المانع الرابع الزوجية يستحب للمرأة أن لا تحرم بغير إذن زوجها ويستحب له الحج بها فلو أرادت أداء فرض حجها فللزوج منعها على الأظهر والثاني ليس له بل لها أن تحرم بغير إذنه ومنهم من قطع بهذا والمذهب الأول ولو أحرمت بغير إذنه إن قلنا ليس له منعها لم يملك تحليلها وإلا فيملكه على الأظهر وأما حج التطوع فله منعها منه فإن أحرمت به فله تحليلها على المذهب وقييل قولان وحيث قلنا يحللها فمعناه يأمرها به كما سبق في العبد وتحللها كتحلل الحر المحصر سواء ولو لم تتحلل فللزوج أن يستمتع بها والإثم عليها كذا حكاه الإمام عن الصيدلاني ثم توقف فيه الإمام‏.‏

لو كانت مطلقة فعليه حبسها للعدة وليس لها التحلل إلا أن رجعية فيراجعها ويحللها‏.‏

فرع الأم المزوجة ليس لها الإحرام إلا بإذن الزوج والسيد جميعا‏.‏

المانع الخامس منع الأبوين فمن له أبوان أو أحدهما يستحب أن لا يحج إلا بإذنهما أو بإذنه ولكل منهما منعه من الإحرام بالتطوع على المذهب وحكي فيه وجه شاذ وهل لهما تحليله قولان سبق نظيرهما وأما حج الفرض فليس لهما منعه من الإحرام به على المذهب وبه قطع الجمهور وقيل قولان كالزوجة فإن أحرم به فلا منع بحال وحكي فيه وجه شاذ منكر المانع السادس الدين فمن عليه دين حال وهو موسر يجوز لمستحق الدين منعه من الخروج وحبسه فإن أحرم فليس له التحلل كما سبق بل عليه قضاء الدين والمضي فيه وإن كان معسرا فلا مطالبة ولا منع وكذا لا منع لو كان الدين مؤجلا لكن يستحب أن لا يخرج حتى يوكل من يقضي الدين عند حلوله‏.‏

 فصل إذا تحلل المحصر

فإن كان نسكه تطوعا فلا قضاء وإلا فإن مستقرا كحجة الإسلام في السنة وإن كان مستقرا كحجة الإسلام فيما بعد السنة الأولى من سني الإمكان وكالقضاء والنذر فهو باق في ذمته ثم ما ذكرناه من نفي القضاء هو في الحصر العام فأما الخاص فالأصح أنه كالعام وقيل يجب فيه القضاء‏.‏

فرع لو صد عن طريق وهناك طريق آخر نظر إن تمكن من شرائط الاستطاعة فيه لزمه سلوكه سواء طال هذا الطريق أم قصر سواء رجا الإدراك أم خاف الفوات أم تيقنه بأن أحصر في ذي الحجة وهو بالعراق مثلا فيجب المضي والتحلل بعمل عمرة ولا يجوز التحلل بحال وإذا سلكه كما أمرناه ففاته الحج لطول الطريق الثاني أو خشونته أو غيرهما مما يحصل الفوات بسببه لم يلزمه القضاء على الأظهر لأنه محصر ولعدم تقصيره والثاني يلزمه كما لو سلكه ابتداء ففاته بضلال الطريق ونحوه ولو استوى الطريقان من كل وجه وجب القضاء قطعا لأنه فوات محض وإن لم يتمكن من سلوك الطريق الآخر فهو كالصد المطلق ولو أحصر فصابر الإحرام متوقعا زواله ففاته الحج والإحصار دائم تحلل بعمل عمرة وفي القضاء طريقان أصحهما طرد القولين فيمن فاته لطول الطريق الثاني‏.‏

فرع لا فرق في جواز التحلل بالإحصار بين أن يتفق قبل الوقوف بعده ولا بين الإحصار عن البيت فقط أو عن الموقف فقط أو عنهما ثم إن كان قبل الوقوف وأقام على إحرامه إلى أن فاته الحج فإن أمكنه التحلل بالطواف والسعي لزمه وعليه القضاء والهدي للفوات وإن لم يزل الحصر تحلل بالهدي وعليه مع القضاء هديان أحدهما للفوات والآخر للتحلل وإن كان الإحصار بعد الوقوف فإن تحلل فذاك وهل يجوز البناء لو انكشف الإحصار فيه الخلاف السابق الجديد لا يجوز والقديم يجوز ويحرم إحراما ناقصا ويأتي ببقية الأعمال وعلى هذا لو لم يبن مع الإمكان وجب القضاء وقيل فيه وجهان وإن لم يتحلل حتى فاته الرمي والمبيت فهو فيما يرجع إلى وجوب الدم لفواتهما كغير المحصر وبماذا يتحلل بني على أن الحلق نسك أم لا وأن فوات زمن الرمي كالرمي أم لا وقد سبق بيانهما فإن قلنا فوات وقت الرمي كالرمي وقلنا الحلق نسك حلق وتحلل التحلل الأول وإن قلنا ليس بنسك حصل التحلل الأول بمضى زمن الرمي وعلى التقديرين فالطواف باق عليه فمتى أمكنه طاف فيتم حجه ثم إذا تحلل بالإحصار الواقع بعد الوقوف فالمذهب أنه لا قضاء عليه وبه قطع العراقيون وحكى صاحب التقريب في وجوب القضاء قولين وطردهما في كل صورة أتى فيها بعد الإحرام بنسك لتأكد الإحرام بذلك النسك ولو صد عن عرفات ولم يصد عن مكة فيدخل مكة ويتحلل بعمل عمرة وفي وجوب القضاء قولان سبقا‏.‏

 فصل في حكم فوات الحج

فواته بفوات الوقوف وإذا فات تحلل بالطواف والسعى والحلق والطواف لا بد منه قطعا‏.‏

وكذا السعي على المذهب إن لم يكن سعي عقيب طواف القدوم وفي قول لا حاجة إلى السعي ومنهم من أنكر هذا القول وأما الحلق فيجب إن قلنا هو نسك وإلا فلا ولا يجب الرمي والمبيت بمنى وإن بقي وقتهما وقال المزني والاصطخري يجب ثم إذا تحلل بأعمال العمرة لا ينقلب حجه عمرة ولا يجزئه عن عمرة الإسلام وفي وجه ينقلب عمرة وهو شاذ ثم من فاته الحج إن كان حجه فرضا فهو باق في ذمته كما كان وإن كان تطوعا لزمه قضاؤه كما لو أفسده وفي وجوب الفور في القضاء الخلاف السابق في الإفساد ولا يلزمه قضاء عمرة مع الحج عندنا ويلزم مع القضاء للفوات دم واحد وفيه قول مخرج أنه يلزمه دمان أحدهما للفوات والآخر لأنه في معنى المتمتع من حيث أنه تحلل بين النسكين ولا فرق بين أن يكون سبب الفوات مما يعذر فيه كالنوم أم فيه تقصير‏.‏

الدماء الواجبة في المناسك سواء تعلقت بترك واجب أو ارتكاب منهي إذا أطلقناها أردنا شاة فإن كان الواجب غيرها كالبدنة في الجماع نصصنا عليها ولا يجزىء فيها جميعها إلا ما يجزىء في الأضحية إلا في جزاء الصيد فيجب المثل في الصغير صغير وفي الكبير كبير وكل من لزمه شاة جاز له ذبح بقرة أو بدنة مكانها إلا في جزاء الصيد وإذا ذبح بدنة أو بقرة مكان الشاة فهل الجميع فرض حتى لا يجوز أكل شيء منها أم الفرض سبعها حتى يجوز له أكل الباقي فيه وجهان‏.‏

قلت‏:‏ الأصح أنه سبعها صححه صاحب البحر وغيره والله أعلم‏.‏

ولو ذبح بدنة ونوى التصدق بسبعها عن الشاة الواجبة عليه وأكل الباقي جاز وله أن ينحر البدنة عن سبع شياه لزمته ولو اشترك جماعة في ذبح بدنة أو بقرة وأراد بعضهم الهدي وبعضهم الأضحية وبعضهم اللخم جاز ولا يجوز أن يشترك اثنان في شاتين لإمكان الانفراد‏.‏

 فصل في كيفية وجوب الدماء

وما يقوم مقامها وفيه نظران أحدهما النظر في أي دم يجب على الترتيب وأي دم يجب على التخيير وهاتان الصفتان متقابلتان فمعنى الترتيب أن يتعين عليه الذبح ولا يجوز العدول إلى غيره إلا إذا عجز عنه ومعنى التخيير أنه يجوز العدول إلى غيره مع القدرة‏.‏

والنظر الثاني في أنه أي دم يجب على سبيل التقدير وأي دم يجب على سبيل التعديل وهاتان الصفتان متقابلتان فمعنى التقدير أن الشرع قدر البدل المعدول إليه ترتيبا أو تخييرا بقدر لا يزيد ولا ينقص ومعنى التعديل أنه أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة فكل دم بحسب الصفات المذكورة لا خلو من أحد أربعة أوجه أحدها الترتيب والتقدير‏.‏

والثاني الترتيب والتعديل‏.‏

والثالث التخيير والتقدير والرابع التخيير والتعديل وتفصيلها بثمانية أنواع أحدها دم التمتع وهو دم ترتيب وتقدير كما ورد به نص القرآن العزيز وقد سبق شرحه وذكرنا أن دم القران في معناه وفي دم الفوات طريقان أصحهما وبه قطع الجمهور أنه كدم التمتع في الترتيب والتقدير وسائر الأحكام‏.‏

والثاني على قولين أحدهما هذا والثاني أنه كدم الجماع في الأحكام إلا أن هذا شاة والجماع بدنة لاشترك الصورتين في وجوب القضاء الثاني جزاء الصيد وهو دم تخيير وتعديل ويختلف بكون الصيد مثليا أو غيره وسبق إيضاحه وجزاء شجر الحرم كجزاء الصيد وسبق حكاية قول عن رواية أبي ثور أن دم الصيد على الترتيب وهو شاذ‏.‏

الثالث دم الحلق والقلم وهو دم تخيير وتقدير فإذا حلق جميع شعره أو ثلاث شعرات يخير بين أن يذبح شاة وبين أن يتصدق بثلاثة آصع من طعام على ستة مساكين وبين أن يصوم ثلاثة أيام وإذا تصدق بالآصع وجب أن يعطي كل مسكين نصف صاع هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى في العدة وجها أنه لا يتقدر ما يعطى كل مسكين الرابع الدم المنوط بترك المأمورات كالإحرام من الميقات والرمي والمبيت بمزدلفة ليلة النحر وبمنى ليالي التشريق والدفع من عرفة قبل الغروب وطواف الوداع وفي هذا الدم أربعة أوجه أصحها وبه قطع العراقيون وكثيرون من غيرهم أنه كدم التمتع في الترتيب والتقدير فإن عجز عن الدم صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله‏.‏

والثاني أنه ترتيب وتعديل لأن التعديل هو القياس وإنما يصار إلى التقدير بتوقيف فعلى هذا يلزمه ذبح شاة فإن عجز قومها دراهم واشترى بها طعاما وتصدق به فإن عجز صام عن كل مد يوماً وإذا ترك حصاة فقد ذكرنا أقوالا في أن الواجب مد أو درهم أو ثلث شاة فإن عجز فالطعام ثم الصوم على ما يقتضيه التعديل بالقيمة والثالث أنه دم ترتيب فإن عجز لزمه صوم الحلق والرابع دم تخيير وتعديل كجزاء الصيد وهذان الوجهان شاذان ضعيفان‏.‏

الخامس دم الاستمتاع كالتطيب والادهان واللبس ومقدمات الجماع فيه أربعة أوجه الأصح أنه دم تخيير وتقدير كالحلق لاشتراكهما في الترفه والثاني تخيير وتعديل كالصيد والثالث ترتيب وتعديل والرابع ترتيب وتقدير كالتمتع‏.‏

السادس دم الجماع وفيه طرق للأصحاب واختلاف منتشر المذهب منه أنه دم ترتيب وتعديل فيجب بدنة فإن عجز عنها فبقرة فإن عجز فسبعة من الغنم فإن عجز قوم البدنة بدراهم والدراهم بطعام ثم يتصدق به فإن عجز صام عن كل مد يوماً وقيل إذا عجز عن الغنم قوم البدنة وصام فإن عجز أطعم فيقدم الصيام على الإطعام ككفارة القتل ونحوها وقيل لا مدخل للإطعام والصيام هنا بل إذا عجز عن الغنم ثبت الهدي في ذمته إلى أن يجد تخريجا من أحد القولين في دم الإحصار ولنا قول وقيل وجه أنه يتخير بين البدنة والبقرة والغنم فإن عجز عنها فالإطعام ثم الصوم‏.‏

وقيل يتخير بين البدنة والبقرة والسبع من الغنم والإطعام والصيام‏.‏

السابع دم الجماع الثاني أو الجماع بين التحللين وقد سبق الخلاف أن واجبهما بدنة أم شاة إن قلنا بدنة فهي في الكيفية كالجماع الأول قبل التحللين وإلا فكمقدمات الجماع‏.‏

الثامن دم الإحصار فمن تحلل بالإحصار فعليه شاة ولا عدول عنها إذا وجدها وإن لم جدها فهل له بدل قولان أظهرهما نعم كسائر الدماء والثاني لا إذ لم يذكر في القرآن بدله بخلاف غيره وقيل يتخير على هذا بين صوم الحلق وإطعامه‏.‏

والقول الثاني بدله الإطعام فقط وفيه وجهان أحدهما ثلاثة آصع كالحلق والثاني يطعم ما يقتضيه التعديل والقول الثالث بدله الصوم فقط وفيه ثلاثة أقوال أحدها عشرة أيام والثاني ثلاثة والثالث بالتعديل عن كل مد يوماً ولا مدخل للطعام على هذا القول غير أنه يعتبر به قدر الصيام والمذهب على الجملة الترتيب والتعديل‏.‏

 فصل في بيان زمان إراقة الدماء ومكانها

أما الزمان فالدماء الواجبة في يوم النحر وغيره وإنما تختص بيوم النحر والتشريق الضحايا ثم ما سوى دم الفوات يراق في النسك الذي هو فيه وأما دم الفوات فيجوز تأخيره إلى سنة القضاء وهل تجوز إراقته في سنة الفوات قولان أظهرهما لا بل يجب تأخيره إلى سنة القضاء والثاني نعم كدماء الإفساد فعلى هذا وقت الوجوب سنة الفوات وإن قلنا بالأظهر ففي وقت الوجوب وجهان أصحهما وقته إذا أحرم بالقضاء كما يجب دم التمتع بالإحرام بالحج ولهذا نقول لو ذبح قبل تحلله من الفائت لم يجزه على الصحيح كما لو ذبح المتمتع قبل الفراغ من العمرة هذا إذا كفر بالدم أما إذا كفر بالصوم فإن قلنا وقت الوجوب أن يحرم بالقضاء لم يقدم صوم الثلاثة على القضاء ويصوم السبعة إذا رجع وإن قلنا تجب بالفوات ففي جواز صوم الثلاثة في حجة الفوات وجهان ووجه المنع أنه إحرام ناقص وأما المكان فالدماء الواجبة على المحرم ضربان واجب على المحصر بالإحصار أو بفعل محظور وقد سبق بيانه في الإحصار وواجب على غيره فيختص بالحرم ويجب تفريق لحمه على مساكين الحرم سواء الغرباء الطارئون والمستوطنون لكن الصرف إلى المستوطنين أفضل وهل يختص ذبحه بالحرم قولان أظهرهما نعم فلو ذبح في طرف الحل لم يجزه والثاني يجوز ذبحه خارج الحرم بشرط أن ينقل ويفرق في الحرم قبل تغير اللحم وسواء في هذا كله دم التمتع والقران وسائر ما يجب بسبب في الحل أو الحرم أو بسبب مباح كالحلق للأدنى أو بسبب محرم وفي القديم قولان ما أنشىء بسببه في الحل يجوز ذبحه وتفرقته في الحل كدم الإحصار وفي وجه ما وجب بسبب مباح لا يختص ذبحه وتفرقته بالحرم ووجه أنه لو حلق قبل وصوله الحرم وذبح وفرق حيث حلق جاز وكل هذا شاذ ضعيف وأفضل الحرم للذبح في حق الحاج منى وفي حق المعتمر المروة لأنهما محل تحللهما وكذا حكم ما يسوقانه من الهدي قلت‏:‏ قال القاضي حسين في الفتاوي ولو لم يجد في الحرم مسكينا لم يجز نقل الدم إلى موضع آخر سواء جوزنا نقل الزكاة أم لا لأنه وجب لمساكين الحرم كمن نذر الصدقة على مساكين بلد فلم يجدهم يصبر إلى أن يجدهم ولا يجوز نقلها ويخالف والله أعلم‏.‏

فرع لو كان يتصدق بالإطعام بدلا عن الذبح وجب تخصيصه بمساكين الحرم بخلاف الصوم يأتي به حيث شاء إذ لا غرض للمساكين فيه‏.‏

قلت‏:‏ قال صاحب البحر أقل ما يجزىء أن يدفع الواجب إلى ثلاثة من مساكين الحرم إن قدر فإن دفع إلى اثنين مع قدرته على ثالث ضمن وفي قدر الضمان وجهان أحدهما الثلث والثاني أقل ما يقع عليه الاسم وتلزمه النية عند التفرقة قال فإن فرق الطعام فهل يتعين لكل مسكين مد كالكفارة أم لا وجهان الأصح لا يتقيد بل تجوز الزيادة على مد والنقص منه والثاني لا يجوز أقل منه ولا أكثر والله أعلم‏.‏

فرع لو ذبح الهدي في الحرم فسرق منه لم يجزئه عما في ذمته وعليه إعادة الذبح وله شراء اللحم والتصدق به بدل الذبح وفي وجه ضعيف يكفيه التصدق بالقيمة

 فصل الأيام المعلومات

هن العشر الأول من ذي الحجة آخرها يوم النحر والأيام المعدودات أيام التشريق‏.‏

 باب الهدي

يستحب لمن قصد مكة بحج أو عمرة أن يهدي إليها شيئا من النعم ولا يجب ذلك إلا بالنذر وإذا ساق هديا تطوعا أو منذورا فإن كان بدنة أو بقرة استحب أن يقلدها نعلين وليكن لهما قيمة ليتصدق بهما وأن يشعرها أيضا والإشعار الإعلام والمراد هنا أن يضرب صفحة سنامها الأيمن بحديدة وهي مستقبلة القبلة فيدميها ويلطخها بالدم ليعلم من رآها أنها هدي فلا يتعرض لها وإن ساق غنما استحب تقليدها بخرب القرب وهي عراها وآذانها لا بالنعل ولا يشعرها‏.‏

قلت‏:‏ وفي الأفضل مما يقدم من الإشعار والتقليد وجهان أحدهما يقدم الإشعار وقد صح فيه حديث في صحيح مسلم والثاني يقدم التقليد وهو المنصوص وصح ذلك من فعل ابن عمر رضي الله عنهما قال صاحب البحر وإن قرن هديين في حبل أشعر أحدهما في سنامه الأيمن والآخر في الأيسر ليشاهدا وفيما قاله احتمال والله أعلم‏.‏

وإذا قلد النعم وأشعرها لم تصر هديا واجبا على المشهور كما لو كتب الوقف على باب داره وإن كان واجبا لزمه ذبحه فلو تركه حتى هلك ضمنه وإذا ذبحه غمس النعل التي قلده في دمه وضرب بها سنامه وتركه ليعلم من مر به أنه هدي فيأكل منه وهل تتوقف الإباحة على قوله أبحته لمن يأكل منه قولان أظهرهما لا تتوقف لأنه بالنذر زال ملكه وصار للمساكين ولا يجوز للمهدي ولا لأغنياء الرفقة الأكل منه قطعا ولا لفقراء الرفقة على الصحيح‏.‏

قلت‏:‏ الأصح الذي يقتضيه ظاهر الحديث وقول الأصحاب أن المراد بالرفقة جميع القافلة وحكى الروياني في البحر وجها استحسنه أنهم الذين يخالطونه في الأكل وغيره دون باقي القافلة الله أعلم‏.‏

وفي وقت ذبح الهدي وجهان الصحيح أنه يختص بيوم النحر وأيام التشريق كالأضحية وبهذا قطع العراقيون وغيرهم والثاني لا يختص بزمن كدماء الجبران فعلى الأول لو أخر الذبح حتى مضت مدة هذه الأيام فإن كان الهدي واجبا ذبحه قضاء وإن كان تطوعا فقد فات فإن ذبحه قال الشافعي رحمه الله كان شاة لحم‏.‏

قلت‏:‏ وإذا عطب هدي التطوع فذبحه قال صاحب الشامل وغيره لا يصير مباحا للفقراء إلا بلفظه وهو أن يقول أبحته للفقراء أو المساكين قال ويجوز لمن سمعه الأكل وفي غيره قولان قال في الإملاء لا يحل حتى يعلم الإذن وقال في القديم و الأم يحل وهو الأظهر والله أعلم‏.‏

اعلم أن الإمام الرافعي رحمه الله ذكر كتاب الضحايا والصيد والذبائح والعقيقة والأطعمة والنذور في أواخر الكتاب بعد المسابقة وهناك ذكرها المزني وأكثر الأصحاب وذكرها طائفة منهم هنا وهذا أنسب فاخترته والله أعلم‏.‏

التضحية سنة مؤكدة وشعار ظاهر ينبغي لمن قدر أن يحافظ عليها وإذا التزمها بالنذر لزمته ولو اشترى بدنة أو شاة تصلح للضحية بنية التضحية أو الهدي لم تصر بمجرد الشراء ضحية ولا هديا وفي تتمة التتمة وجه أنها تصير وهو غلط حصل عن غفلة وموضع الوجه النية في دوام الملك كما سيأتي إن شاء الله تعالى قال صاحب البحر لو قال إن اشتريت شاة فلله علي أن أجعلها نذرا فهو نذر مضمون في الذمة فإذا اشترى شاة فعليه أن يجعلها ضحية ولا تصير بالشراء ضحية فلو عين فقال إن اشتريت هذه الشاة فعلي أن أجعلها ضحية فوجهان أحدهما لا يلزمه جعلها ضحية تغليبا لحكم التعيين وقد أوجبها قبل الملك والثاني يلزم تغليبا للنذر‏.‏

فصل شروط التضحية وأحكامها للتضحية شروط وأحكام أما الشروط فأربعة أحدها أن يكون المذبوح من النعم وهي الإبل والبقر والغنم سواء الذكر والأنثى وكل هذا مجمع عليه ولا يجزىء من الضأن إلا الجذع أو الجذعة ولا من الإبل والبقر والمعز إلا الثني أو الثنية وفي وجه يجزىء الجذع من المعز وهو شاذ ثم الجذع ما استكمل سنة على الأصح وقيل ما استكملت ستة أشهر وقيل ثمانية فعلى الأول قال أبو الحسن العبادي لو أجذع قبل تمام السنة كان مجزئا كما لو تمت السنة قبل أن يجذع ويكون ذلك كالبلوغ بالسن أو الاحتلام فإنه يكفي فيه أحدهما وبهذا صرح صاحب التهذيب فقال الجذعة ما استكملت سنة أو أجذعت قبلها أي أسقطت سنها وأما الثني من الإبل فهو ما استكمل خمس سنين وطعن في السادسة وروى حرملة عن الشافعي رحمه الله أنه الذي استكمل ستا ودخل في السابعة قال الروياني وليس ذلك قولا آخر وإن توهمه بعض أصحابنا ولكنه إخبار عن نهاية سن الثني وما ذكره الجمهور بيان ابتداء سنه وأما الثني من البقر فما استكمل سنتين ودخل في الثالثة وروى حرملة أنه ما استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة والمشهور المعروف هو الأول وأما الثني من المعز فالأصح أنه الذي استكمل سنتين ودخل في الثالثة وقيل ما استكمل سنة‏.‏

 فصل في صفتها

وفيه مسائل إحداها المريضة إن كان مرضها يسيرا لم يمنع الإجزاء وإن كان بينا يظهر بسببه الهزال وفساد اللحم منع الإجزاء وهذا هو المذهب‏.‏

وحكى ابن كج قولا أن المرض لا يمنع بحال وأن المرض المذكور في الحديث المراد به الجرب وحكي وجه أن المرض يمنع الإجزاء وإن كان يسيرا وحكاه في الحاوي قولا قديما وحكي وجه في الهيام خاصة أنه يمنع الإجزاء وهو من أمراض الماشية وهو أن يشتد عطشها فلا تروى من الماء‏.‏

قلت‏:‏ هو بضم الهاء قال أهل اللغة هو داء يأخذها فتهيم في الأرض لا ترعى وناقة هيماء بفتح الهاء والمد والله أعلم‏.‏

الثانية الجرب يمنع الإجزاء كثيره وقليله كذا قاله الجمهور ونص عليه في الجديد لأنه يفسد اللحم والودك وفي وجه لا يمنع إلا كثيره كالمرض واختاره الإمام والغزالي والصحيح الأول وسواء في المرض والجرب ما يرجى زواله وما لا يرجى‏.‏

الثالثة العرجاء إن اشتد عرجها بحيث تسبقها الماشية إلى الكلأ الطيب وتتخلف عن القطيع لم تجزىء وإن كان يسيرا لا يخلفها عن الماشية لم يضر فلو انكسر بعض قوائمها فكانت تزحف بثلاث لم تجزىء ولو أضجعها ليضحي بها وهي سليمة فاضطربت وانكسرت رجلها أو عرجت تحت السكين لم تجزئه على الأصح لأنها عرجاء عند الذبح فأشبه ما لو انكسرت رجل شاة فبادر إلى التضحية بها فإنها لا تجزىء‏.‏

الرابعة لا تجزىء العمياء ولا العوراء التي ذهبت حدقتها وكذا إن بقيت حدقتها على الأصح وتجزىء العشواء على الأصح وهي التي تبصر بالنهار دون الليل لأنها تبصر وقت الرعى وأما العمش وضعف بصر العينين جميعا فقطع الجمهور بأنه لا يمنع وقال الروياني إن غطى بياض أذهب أكثره منع وإن أذهب أقله لم يمنع على الصحيح‏.‏

الخامسة العجفاء التي ذهب مخها من شدة هزالها لا تجزىء وإن كان بها بعض الهزال ولم يذهب مخها أجزأت كذا أطلقه كثيرون وقال في الحاوي إن كان خلقيا فالحكم كذلك وإن كان لمرض منع لأنه داء وقال إمام الحرمين كما لا يعتبر السمن البالغ للإجزاء لا يعتبر العجف البالغ للمنع وأقرب معتبر أن يقال إن كان لا ترغب في لحمها الطبقة العالية من طلبة اللحم في سني الرخاء منعت‏.‏

السادسة ورد النهي عن الثولاء وهي المجنونة التي تستدير في الرعي ولا ترعى إلا قليلا فتهزل‏.‏

السابعة يجزىء الفحل وإن كثر نزوانه والأنثى وإن كثرت ولادتها وإن لم يطلب لحمها إلا إذا انتهيا إلى العجف البين‏.‏

الثامنة لا تجزىء مقطوعة الأذن فإن قطع بعضها نظر فإن لم يبن منها شيء بل شق طرفها وبقي متدليا لم يمنع على الأصح وقال القفال يمنع وإن أبين فإن كان كثيرا بالإضافة إلى الأذن منع قطعا وإن كان يسيرا منع أيضا على الأصح لفوات جزء مأكول وقال الإمام وأقرب ضبط بين الكثير واليسير أنه إن لاح النقص من البعد فكثير وإلا فقليل‏.‏

التاسعة لا يمنع الكي في الأذن وغيرها على المذهب وقيل وجهان لتصلب الموضع وتجزىء صغيرة الأذن ولا تجزىء التي لم يخلق لها أذن‏.‏

العاشرة لا تجزىء التي أخذ الذئب مقدارا بينا من فخذها بالإضافة إليه ولا يمنع قطع الفلقة اليسيرة من عضو كبير ولو قطع الذئب أو غيره أليتها أو ضرعها لم تجزىء على المذهب وتجزىء التي خلقت بلا ضرع أو بلا ألية على الأصح كما يجزىء الذكر من المعز بخلاف التي لم يخلق لها أذن لأن الأذن عضو لازم غالبا والذنب كالألية وقطع بعض الألية أو الضرع كقطع كله ولا تجوز مقطوعة بعض اللسان‏.‏

الحادية عشرة يجزىء الموجوء والخصي كذا قطع به الأصحاب وهو الصواب وشذ ابن كج فحكى في الخصي قولين وجعل المنع الجديد‏.‏

الثانية عشرة تجزىء التي لا قرن لها والتي انكسر قرنها سواء دمي قرنها بالانكس أم لا قال القفال إلا أن يؤثر ألم الانكسار في اللحم فيكون كالجرب وغيره وذات القرن أفضل‏.‏

الثالثة عشرة تجزىء التي ذهب بعض أسنانها فإن انكسر أو تناثر جميع أسنانها فقد أطلق صاحب التهذيب وجماعة أنها لا تجزىء وقال الإمام قال المحققون تجزىء وقيل لا تجزىء وقال بعضهم إن كان ذلك لمرض أو كان يؤثر في الاعتلاف وينقص اللحم منع وإلا فلا وهذا حسن ولكنه يؤثر بلا شك فيرجع الكلام إلى المنع المطلق قلت‏:‏ الأصح المنع وفي الحديث نهي عن المشيعة قال في البيان هي المتأخرة عن الغنم فإن كان ذلك لهزال أو علة منع لأنها عجفاء وإن كان عادة وكسلا لم يمنع والله أعلم‏.‏

فرع في صفة الكمال فيه مسائل إحداها يستحب للتضحية الأسمن الأكمل حتى أن التضحية بشاة سمينة أفضل من شاتين دونها قال الشافعي رحمه الله تعالى استكثار القيمة في الأضحية أحب من استكثار العدد وفي العتق عكسه لأن المقصود هنا اللحم والسمين أكثر وأطيب والمقصود في العتق التخليص من الرق وتخليص عدد أولى من واحد وكثرة اللحم أفضل من كثرة الشحم إلا أن يكون لحما رديئا‏.‏

الثانية أفضلها البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز وسبع من الغنم أفضل من بدنة أو بقرة على الثالثة أفضلها البيضاء ثم العفراء وهي التي لا يصفو بياضها ثم السوداء

الرابعة التضحية بالذكر أفضل من الأنثى على المذهب وهو نصه في البويطي وحكي عن نص الشافعي رحمه الله أن الأنثى أفضل فقيل ليس مراده تفضيل الأنثى في الأضحية وإنما أراد تفضيلها في جزاء الصيد إذا قومت لإخراج الطعام فالأنثى أكثر قيمة وقيل المراد أن أنثى لم تلد أفضل من الذكر إذا كثر نزوانه فإن فرضنا ذكرا لم ينز وأنثى لم تلد فهو أفضل منها‏.‏

 فصل الشاة الواحدة تضحي عن واحد

الشاة الواحدة لا يضحى بها إلا عن واحد لكن إذا ضحى بها واحد من أهل بيت تأدى الشعار والسنة لجميعهم وعلى هذا حمل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبش وقال اللهم تقبل من محمد وآل محمد وكما أن الفرض ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية فقد ذكروا أن التضحية كذلك وأن التضحية مسنونة لكل أهل بيت‏.‏

قلت‏:‏ وقد حمل جماعة الحديث على الإشراك في الثواب وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى والله أعلم‏.‏

فرع البدنة تجزىء عن سبعة وكذا البقرة سواء كانوا أهل بيت أو سواء كانوا متقربين بقربة متفقة أو مختلفة واجبة أم مستحبة أم كان بعضهم يريد اللحم وإذا اشتركوا فالمذهب أن قسمة لحمها تبنى على أن القسمة بيع أم إفراز إن قلنا إفراز جازت وإن قلنا بيع فبيع اللحم الرطب بمثله لا يجوز فالطريق أن يدفع المتقربون نصيبهم إلى الفقراء مشاعا ثم يشتريها منهم من يريد اللحم بدراهم أو يبيع مريد اللحم نصيبه للمتقربين بدراهم‏.‏

وإن شاءوا جعلوا اللحم إجزاء باسم كل واحد جزء ثم يبيع صاحب الجزء نصيبه من باقي الأجزاء بدراهم ويشتري من أصحابه نصيبهم في ذلك الجزء بالدراهم ثم يتقاصون وقال صاحب التلخيص تصح القسمة قطعا للحاجه وكما يجوز تضحية سبعة ببدنة أو بقرة يجوز أن يقصد بعضهم التضحية وبعضهم الهدي ويجوز أن ينحر الواحد البدنة أو البقرة عن سبع شياه لزمته بأسباب مختلفة كالتمتع والقران والفوات ومباشرة محظورات الإحرام ونذر التصدق بشاة والتضحية بشاة لكن في جزاء الصيد تراعى المماثلة ومشابهة الصورة فلا تجزىء البدنة عن سبعة من الظباء ولو وجب شاتان على رجلين في قتل صيدين لم يجز أن يذبحا عنهما بدنة ويجوز أن يذبح الواحد بدنة أو بقرة سبعها عن شاة لزمته ويأكل الباقي كمشاركة من يريد اللحم ولو جعل جميع البدنة أو البقرة مكان الشاة فهل يكون الجميع واجبا حتى لا يجوز أكل شيء منه أم الواجب السبع فقط حتى يجوز الأكل من الباقي فيه وجهان كالوجهين في ماسح جميع رأسه في الوضوء هل يقع جميعه فرضا أم الفرض ما يقع عليه الاسم قلت‏:‏ قيل الوجهان في المسح فيما إذا مسح دفعة واحدة فإن مسح شيئا فشيئا فالثاني سنة قطعا وقيل الوجهان في الحالين ومثلهما إذا طول الركوع والسجود والقيام زيادة على الواجب وفائدته في زيادة الثواب في الواجب والأرجح في الجميع أن الزيادة تقع تطوعا والله أعلم‏.‏

ولو اشترك رجلان في شاتين لم تجزئهما على الأصح ولا يجزىء بعض شاة بلا خلاف بكل حال‏.‏

الشرط الثاني الوقت فيدخل وقت التضحية إذا طلعت الشمس يوم النحر ومضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفات على المذهب وفي وجه تعتبر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبته وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ب ق و اقتربت الساعة وخب خطبة متوسطة وقالت المراوزة الخلاف في طول الصلاة فقط والخطبة مخففة قطعا فإنه السنة قال الإمام وما أرى من يعتبر ركعتين خفيفتين يكتفي بأقل ما يجزىء وظاهر كلام صاحب الشامل خلافه وفي وجه يكفي مضي ما يسع ركعتين بعد خروج وقت الكراهة ولا تعتبر الخطبتان ويخرج وقت التضحية بغروب الشمس في اليوم الثالث من أيام التشريق ويجوز ليلا ونهارا لكن تكره التضحية والذبح مطلقا في الليل فإن ذبح قبل الوقت لم تكن أضحية فإن لم يضح حتى خرج الوقت فاتت فإن ضحى في السنة الثانية في الوقت وقع عن الوقت لا عن الماضي وهذا كله في أضحية التطوع فأما المنذورة ففي توقيتها خلاف يأتي إن شاء الله تعالى‏.‏

الشرط الثالث أهلية الذابح وفيه مسائل إحداها يستحب أن يذبح ضحيته وهديه بنفسه وله أن يوكل في ذبحها من تحل ذبيحته والأولى أن يوكل مسلما فقيها لعلمه بشروطها ولا يجوز توكيل المجوسي والوثني بخلاف الكتابي وإذا وكل فيستحب أن يحضر الذبح ويكره توكيل الصبي في ذبحها وفي كراهة توكيل الحائض وجهان‏.‏

قلت‏:‏ الأصح لا يكره لأنه لم يصح فيه نهي والله أعلم‏.‏

والحائض أولى من الصبي والصبي المسلم أولى من الكتابي‏.‏

الثانية النية شرط في التضحية وهل يجوز تقديمها على الذبح أم يجب أن تكون مقرونة به وجهان أصحهما الجواز ولو قال جعلت هذه الشاة ضحية فهل يكفيه التعيين والقصد عن نية الذبح وجهان أصحهما عند الأكثرين لا يكفيه لأن التضحية قربة في نفسها فوجبت النية فيها واختار الإمام والغزالي الاكتفاء ولو التزم ضحية في ذمته ثم عين شاة عما في ذمته بني على الخلاف في أن المعينة هل تتعين عن المطلقة في الذمة إن قلنا لا فلا بد من النية عند الذبح وإلا فعلى الوجهين ولو وكل ونوى عند ذبح الوكيل كفى ولا حاجة إلى نية الوكيل بل لو لم يعلم أنه مضح لم يضر وإن نوى عند الدفع إلى الوكيل فقط فعلى الوجهين في تقديم النية ويجوز أن يفوض النية إلى الوكيل إن كان مسلما وإن كان كتابيا فلا‏.‏

الثالثة العبد القن والمدبر والمستولدة لا يجوز لهم التضحية إن قلنا بالمشهور إنهم لا يملكون بالتمليك فإن أذن السيد وقعت التضحية عن السيد فإن قلنا يملكون لم يجز تضحيتهم بغير إذنه لأن له حق الانتزاع فإن أذن وقعت عنهم كما لو أذن لهم في التصدق وليس له الرجوع بعد الذبح ولا بعد جعلها ضحية والمكاتب لا تجوز تضحيته بغير إذن السيد فإن أذن فعلى القولين في تبرعه بإذنه ومن بعضه رقيق له أن يضحي بما ملكه بحريته ولا يحتاج إلى إذن‏.‏

الرابعة لو ضحى عن الغير بغير إذنه لم يقع عنه وفي التضحية عن الميت كلام يأتي في الوصية إن شاء الله تعالى‏.‏

قلت‏:‏ إذا ضحى عن غيره بلا إذن فإن كانت الشاة معينة بالنذر وقعت عن المضحي وإلا فلا كذا قاله صاحب العدة وغيره وأطلق الشيخ إبرهيم المروروذي أنها تقع عن المضحي قال هو وصاحب العدة لو أشرك غيره في ثواب أضحيته وذبح عن نفسه جاز قالا وعليه يحمل الحديث المتقدم اللهم تقبل من محمد وآل محمد والله أعلم‏.‏

الشرط الرابع الذبح فالذبح الذي يباح به الحيوان المقدور عليه إنسيا كان أو وحشيا ضحية كان أو غيرها هو التذفيف بقطع جميع الحلقوم والمريء من حيوان فيه حياة مستقرة بآلة ليست عظما ولا ظفرا فهذه قيود أما القطع فاحتراز مما لو اختطف رأس عصفور أو غيره بيده أو ببندقة فإنه ميتة‏.‏

وأما الحلقوم فهو مجرى النفس خروجا ودخولا والمريء مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم وراءهما عرقان في صفحتي العنق يحيطان بالحلقوم وقيل بالمريء ويقال لهما الودجان ويقال للحلقوم والمريء معهما الأوداج ولا بد من قطع الحلقوم والمريء على الصحيح المنصوص وقال الاصطخري يكفي أحدهما لأن الحياة لا تبقى بعده قال الأصحاب هذا خلاف نص الشافعي رحمه الله وخلاف مقصود الذكاة وهو الإزهاق بما يوحي لا يعذب ويستحب معهما قطع الودجين لأنه أوحى والغالب أنهما ينقطعان بقطع الحلقوم والمريء فإن تركهما جاز ولو ترك من الحلقوم أو المريء شيئا يسيرا أو مات الحيوان فهو ميتة‏.‏

وكذا لو انتهى إلى حركة المذبوح فقطع المتروك فميته وفي الحاوي وجه إن بقي اليسير فلا يضر واختاره الروياني في الحلية والصحيح الأول ولو قطع من القفا حتى وصل الحلقوم والمريء عصى لزيادة الإيلام ثم ينظر إن وصل إلى الحلقوم والمريء وقد انتهى إلى حركة المذبوح لم يحل بقطع الحلقوم والمريء بعد ذلك وإن وصلهما وفيه حياة مستقرة فقطعهما حل كما لو قطع يده ثم ذكاه‏.‏

قال الإمام ولو كان فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المريء ولكن لما قطعه مع بعض الحلقوم انتهى إلى حركة المذبوح لما ناله بسبب قطع القفا فهو حلال لأن أقصى ما وقع التعبد به أن يكون فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المذبح والقطع من صفحة العنق كالقطع من القفا ولو أدخل السكين في أذن الثعلب ليقطع المريء والحلقوم من داخل الجلد ففيه هذا التفصيل ولو أمر السكين ملصقا باللحيين فوق الحلقوم والمريء وأبان الرأس فليس هو بذبح لأنه لم يقطع الحلقوم والمريء وأما كون التذفيف حاصلا بقطع الحلقوم والمريء ففيه مسألتان إحداهما لو أخذ الذابح في قطع الحلقوم والمريء وأخذ آخر في نزع حشوته أو نخس خاصرته لم يحل لأن التذفيف لم يتمخض بالحلقوم والمريء وسواء كان ما يجري به قطع الحلقوم مما يذفف لو انفرد أو كان يعين على التذفيف ولو اقترن قطع الحلقوم بقطع رقبة الشاة من قفاها بأن كان يجري سكينا من القفا وسكينا من الحلقوم حتى التقتا فهي ميتة بخلاف ما إذا تقدم قطع القفا وبقيت الحياة مستقرة إلى وصول السكين المذبح‏.‏

المسألة الثانية يجب أن يسرع الذابح في القطع ولا يتأنى بحيث يظهر انتهاء الشاة قبل استتمام قطع المذبح إلى حركة المذبوح وهذا قد يخالف ما سبق أن المتعبد به كون الحياة مستقرة عند الابتداء فيشبه أن المقصود هنا إذا تبين مصيره إلى حركة المذبوح وهناك إذا لم يتحقق الحال قلت‏:‏ هذا الذي قاله الإمام الرافعي خلاف ما سبق تصريح الإمام به بل الجواب أن هذا مقصر في الثاني فلم تحل ذبيحته بخلاف الأول فإنه لا تقصير ولو لم يحلله أدى إلى حرج والله أعلم وأما كون الحيوان عند القطع فيه حياة مستقرة ففيه مسائل إحداها لو جرح السبع صيدا أو شاة أو انهدم سقف على بهيمة أو جرحت هرة حمامة ثم أدركت حية فذبحت فإن كان فيها حياة مستقرة حلت وإن تيقن هلاكها بعد يوم ويومين وإن لم يكن فيها حياة مستقرة لم تحل هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجمهور‏.‏

وحكي قول أنها تحل في الحالين وقول أنها لا تحل فيهما وهذا بخلاف الشاة إذا مرضت فصارت إلى أدنى الرمق فذبحت فإنها تحل قطعا لأنه لم يوجد سبب يحال الهلاك عليه ولو أكلت الشاة نباتا مضرا فصارت إلى أدنى الرمق فذبحت قال القاضي حسين مرة فيها وجهان وجزم مرة بالتحريم لأنه وجد سبب يحال الهلال عليه فصار كجرح السبع ثم كون الحيوان منتهيا إلى حركة المذبوح أو فيه حياة مستقرة تارة يستيقن وتارة يظن بعلامات وقرائن لا تضبطها العبارة وشبهوه بعلامات الخجل والغضب ونحوهما ومن أمارات بقاء الحياة قال الإمام ومنهم من قال كل واحد منهما يكفي دليلا على بقاء الحياة المستقرة قال والأصح أن كلا منهما لا يكفي لأنهما قد يحصلان بعد الانتهاء إلى حركة المذبوح لكن قد ينضم إلى أحدهما أو كليهما قرائن أو أمارات أخر تفيد الظن أو اليقين فيجب النظر والاجتهاد‏.‏

قلت‏:‏ اختار المزني وطوائف من الأصحاب الاكتفاء بالحركة الشديدة وهو الأصح والله أعلم‏.‏

وإذا شككنا في الحياة المستقرة ولم يترجح في ظننا شيء فوجهان أصحهما التحريم للشك في المبيح وأما كون الآلة ليست عظما فمعناه أنه يجوز بكل قاطع إلا الظفر والعظم سواء من الآدمي وغيره المتصل والمنفصل وحكي وجه في عظم الحيوان المأكول وهو شاذ وستأتي هذه المسألة مستوفاة في الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى‏.‏

 فصل في سنن الذبح وآدابه

سواء ذبح الأضحية وغيرها إحداها تحديد الشفرة‏.‏

الثانية إمرار السكين بقوة وتحامل ذهابا وعودا ليكون أوحى وأسهل‏.‏

الثالثة استقبال الذابح القبلة وتوجيه الذبيحة إليها وذلك في الهدي والأضحية أشد استحبابا لأن الاستقبال مستحب في القربات وفي كيفية توجيهها ثلاثة أوجه أصحها يوجه مذبحها إلى القبلة ولا يوجه وجهها ليمكنه هو أيضا الاستقبال والثاني يوجهها بجميع بدنها والثالث يوجه قوائمها الرابعة التسمية مستحبة عند الذبح والرمي إلى الصيد وإرسال الكلب فلو تركها عمدا أو سهوا حلت الذبيحة لكن تركها عمدا مكروه على الصحيح وفي تعليق الشيخ أبي حامد أنه يأثم به وهل يتأدى الاستحباب بالتسمية عند عض الكلب وإصابة السهم وجهان أصحهما نعم وهذا الخلاف في كمال الاستحباب فأما إذا ترك التسمية عند الإرسال فيستحب أن يتداركها عند الإصابة قطعا كمن ترك التسمية في أول الوضوء والأكل يستحب أن يسمي في أثنائهما ولا يجوز أن يقول الذابح والصائد باسم محمد ولا باسم الله واسم محمد بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه واليمين باسمه والسجود له ولا يشاركه في ذلك مخلوق وذكر في الوسيط أنه لا يجوز أن يقول باسم الله ومحمد رسول الله لأنه تشريك قال ولو قال بسم الله ومحمد رسول الله بالرفع فلا بأس ويناسب هذه المسائل ما حكاه في الشامل وغيره عن نص الشافعي رحمه الله أنه لو كان لأهل الكتاب ذبيحة يذبحونها باسم غير الله تعالى كالمسيح لم تحل وفي كتاب القاضي ابن كج أن اليهودي لو ذبح لموسى والنصراني لعيسى صلى الله عليهما وسلم أو للصليب حرمت ذبيحته وأن المسلم لو ذبح للكعبة أو للرسول صلى الله عليه وسلم فيقوى أن يقال يحرم لأنه ذبح لغير الله تعالى قال وخرج أبو الحسين وجها آخر أنها تحل لأن المسلم يذبح لله تعالى ولا يعتقد في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعتقده النصراني في عيسى‏.‏

قال وإذا ذبح للصنم لم تؤكل ذبيحته سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا وفي تعليقة للشيخ إبراهيم المروروذي رحمه الله أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه أفتى أهل بخارى بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله تعالى واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود له وكل واحد منهما نوع من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة فمن ذبح لغيره من حيوان أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة لم تحل ذبيحته وكان فعله كفرا كمن سجد لغيره سجد عبادة وكذا لو ذبح له ولغيره على هذا الوجه فأما إذا ذبح لغيره لا على هذا الوجه بأن ضحى أو ذبح للكعبة تعظيما لها لأنها بيت الله تعالى أو الرسول لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا لا يجوز أن يمنع حل الذبيحة وإلى هذا المعنى يرجع قول القائل أهديت للحرم أو للكعبة ومن هذا القبيل الذبح عند استقبال السلطان فإنه استبشار بقدومه نازل منزلة ذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب الكفر وكذا السجود للغير تذللا وخضوعا وعلى هذا إذا قال الذابح باسم الله وباسم محمد وأراد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد فينبغي أن لا يحرم وقول من قال لا يجوز ذلك يمكن أن يحمل على أن اللفظة مكروهة لأن المكروه يصح نفي الحواز والإباحة المطلقة عنه ووقعت منازعة بين جماعة ممن لقيناهم من فقهاء قزوين في أن من ذبح باسم الله واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تحل ذبيحته وهل يكفر بذلك وأفضت تلك المنازعة إلى فتنة والصواب ما بيناه وتستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح نص عليه في الأم قال ابن أبي هريرة لا تستحب ولا تكره‏.‏

قلت‏:‏ أتقن الإمام الرافعي رحمه الله هذا الفصل ومما يؤيد ما قاله ما ذكره الشيخ إبراهيم المروروذي في تعليقه قال وحكى صاحب التقريب عن الشافعي رحمه الله أن النصراني إذا سمى غير الله تعالى كالمسيح لم تحل ذبيحته قال صاحب التقريب معناه أنه يذبحها له فأما إن ذكر المسيح على معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجائز قال وقال الحليمي تحل مطلقا وإن سمى المسيح والله أعلم‏.‏

الخامسة المستحب في الإبل النحر وهو قطع اللبة أسفل العنق وفي البقر والغنم الذبح وهو قطع الحلق أعلى العنق والمعتبر في الموضعين قطع الحلقوم والمريء فلو ذبح الإبل ونحر البقر والغنم حل ولكن ترك المستحب وفي كراهته قولان المشهور لا يكره‏.‏

السادسة يستحب أن ينحر البعير قائما على ثلاث قوائم معقول الركبة وإلا فباركا وأن تضجع السابعة إذا قطع الحلقوم المريء فالمستحب أن يمسك ولا يبين رأسه في الحال ولا يزيد في القطع ولا يبادر إلى سلخ الجلد ولا يكسر الفقار ولا يقطع عضوا ولا يحرك الذبيحة ولا ينقلها إلى مكان قبل يترك جميع ذلك حتى تفارق الروح ولا يمسكها بعد الذبح مانعا لها من الاضطراب والأولى أن تساق إلى المذبح برفق وتضجع برفق ويعرض عليها الماء قبل الذبح ولا يحد الشفرة قبالتها ولا يذبح بعضها قبالة بعض‏.‏

الثامنة يستحب عند التضحية أن يقول اللهم منك وإليك تقبل مني وفي الحاوي وجه ضعيف أنه لا يستحب ولو قال تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك ومحمد عبدك ورسولك صلى الله عليهما لم يكره ولم يستحب كذا نقله في البحر عن الأصحاب قال في الحاوي يختار في الأضحية أن يكبر الله تعالى قبل التسمية وبعدها ثلاثا فيقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد‏.‏